لماذا تحتاج المنظمات إلى المرونة
تمتلئ بيئة الأعمال اليوم بالعوائق والتحديات غير المتوقعة، فالتقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض هي عناصر الوضع الطبيعي الجديد، بالإضافة إلى التأثير المحتمل للأزمات الخطيرة مثل صدمات السوق وعدم الاستقرار الحكومي والأوبئة، وعلى الرغم من أنّ قلةً منا في وضع يسمح له بتغيير البيئة التي يعمل بها إلا أنه لازال بإمكاننا التحكم في كيفية الاستعداد للمتغيرات والاستجابة لها.
لقد أصبح إنشاء مؤسسات مرنة يمكنها "التعافي" بنجاح، والنمو من التجارب المعاكسة أمرًا بالغ الأهمية، فبالنسبة للقادة الذين يأملون في تسريع الأداء والاستفادة من ظروف التغيير وعدم اليقين فقد انتقل الأمر من كونه مرغوب فيه للغاية إلى أمر بالغ الأهمية.
يعدّ البحث في مجال المرونة من حيث صلته بمكان العمل جديدًا نسبيًا، ولكنه ينمو بسرعة، وفي هذا البودكاست نبحث في الأدلة الموجودة حول أهمية ونتائج المرونة على المستوى الفردي والجماعي والتنظيمي، والممارسات الرائدة لدفع عجلة المرونة في المؤسسات.
ما هي المرونة؟
تشير المرونة إلى قدرة الأشخاص على العودة بكفاءة من التجارب السلبية والقدرة على التكيف والتعافي والتعلم منها، وتدعم هذه السلوكيات المواقف التي تستند إلى العقلية المنفتحة على المعلومات والمجهزة للنجاح، وعلى وجه التحديد الموقف الإيجابي والثقة في قدرات الأفراد، وتشير الأبحاث حول المرونة لدى الأفراد إلى أن المسارات التي يتبعها الناس استجابةً للشدائد تكون كما يأتي:
1. ضائقة منخفضة مع تأثير ضئيل على الوظائف (مرونة)
2. ضائقة شديدة في البداية يتبعها انخفاض مستويات الضغط الذي يزداد في البداية ثم يتناقص بمرور الوقت (تعافي)
3. ضائقة أولية معتدلة تزداد بمرور الوقت (مؤجلة)
4. ضائقة أولية لا تقل بشكل ملحوظ بمرور الوقت (مزمنة)
من الواضح أن مصير المؤسسة التي تواجه الأزمات يمكن أن يتأثر بشدة بالمسارات التي يتبعها موظفوها، ففي حين أن العديد من الشركات قد تم بيعها لبعض المنافسين في الأزمة المالية لعام 2008 التي ضربت جميع البنوك، أعادت شركات أخرى كثيرة بناء نفسها من جديد، وعادوا إلى الربح القوي والنجاح المُبهر.
ماذا نعني بالأزمات في مكان العمل؟
عندما يتعلق الأمر بالبحث عن المرونة فقد يتم تعريف الأزمات بعدة طرق، ففي الدراسات التي تركز على المشاعر الإنسانية كالحزن مثلاً يعرِّفه علماء النفس وعلماء السلوك على أنه فقدان أحد الأحباء أو التعرض لصدمة معينة، وفي العاملين في مجال الرعاية الصحية يمكن أن تكون وفيات المرضى هي ما يشكّل الأزمات، أما بالنسبة للجنود فتشمل الأزمات الأحداث الصادمة الناتجة عن حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية والحرب.
بالنسبة لعالم الأعمال قد يقول بعض القادة "إنّ موظفينا لا يتعاملون مع هذا النوع من الأزمات"، ولكن الأزمات والشدائد في قطاع الأعمال موجودة في أشكال أخرى، والتي قد تظهر على هيئة أحداث مفصلية، أو قد تأتي أيضًا بشدة أقل ولكن بتردد عالي أو ظروف مرهقة ممتدة مثل حالات عدم اليقين لفترات طويلة، والفشل الكبير، والصراع مع الزملاء أو الرؤساء، والاندماجات، وحتى التغيير الإيجابي والتقدم و زيادة المسؤولية، ووفقًا للباحثين تشمل الأنواع الأخرى من الأزمات في مكان العمل مواجهة أعباء العمل المرهقة، وقلة التحكم في الوظيفة، والحرمان من الاعتراف، والعمل في عزلة، وظروف العمل غير العادلة أو تضارب القيم في الوظيفة.
في الاستبيان الذي قامت به ديل كارنيجي أشار 72٪ من المشاركين إلى أنهم مروا بحالة أو أكثر من الظروف التي يمكن اعتبارها شكلاً من أشكال الأزمات والشدائد في مكان العمل، وقد تم الإبلاغ عن أعباء العمل المرهقة وعمليات إعادة التنظيم، وتغيير الأدوار الوظيفية، والعلاقات الصعبة مع زملاء العمل من قبل أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع، كما تم الإبلاغ بشكل شائع عن المعاناة من عدم الاستقرار الوظيفي، والتعارض بين قيم الفرد وقيم المؤسسة، والأحداث الصادمة، بالإضافة إلى عمليات التسريح بسبب الأتمتة.
بالنسبة للأفراد يمكن أن تؤدي هذه الأنواع من الحالات إلى الإنهاك، والإرهاق العاطفي، ومشاكل النوم، وانخفاض الطاقة، والتركيز المحدود، وسوء الأداء وغير ذلك، بالنسبة للأفراد يمكن أن تؤدي هذه الأنواع من الحالات إلى الإنهاك، والإرهاق العاطفي، ومشاكل النوم، وانخفاض الطاقة، والتركيز المحدود، وسوء الأداء وغير ذلك.
ففي عام 2017 تعرضت شركة تصنيع السيارات الكهربائية تيسلا لانتقادات بسبب عدم الاهتمام برفاهية عمالها، حيث وصف الموظفون ساعات مرهقة وضغطًا شديدًا لتلبية أرقام الإنتاج المُستهدفة، وفي مثال ملموس على الخسائر المادية التي يمكن أن يسببها هذا النوع من الشدائد في مكان العمل فقد ذكرت صحيفة الجارديان أنه تم إرسال سيارات الإسعاف أكثر من 100 مرة منذ عام 2014 للعمال الذين يعانون من نوبات إغماء ودوخة ونوبات صرع وتنفس غير طبيعي وآلام في الصدر - بالإضافة إلى أولئك الذين تعرضوا لإصابات وأمور طبية أخرى، أما بالنسبة للفرق التي تعتمد عليهم والمؤسسات التي توظفهم يمكن أن تكون العواقب تراكمية ومهمة عندما يواجه الموظفون محنة كبيرة في مكان العمل.
فوائد المرونة على المستوى الفردي والجماعي والتنظيمي
تشير الأبحاث حول المرونة في مكان العمل وأماكن أخرى إلى عدد من النتائج الإيجابية على المستوى الفردي والجماعي والمؤسسي، فبالنسبة للنتائج الإيجابية على مستوى الفرد فهي ارتفاع نسبة الجهد الفردي والأداء العالي، وزيادة الرضا الوظيفي، وتحسين المواقف المتعلقة بالتغيير، بالإضافة إلى تقليل الإجهاد، وتحسين الصحة العقلية والجسدية.
بينما يظهر تأثير المرونة الإيجابي على المستوى الجماعي في فاعلية أداء الأدوار، وأداء أدوار إضافية، وتماسك الفريق وتعاونه، أما التأثير على المستوى المؤسسي فإنه يشمل الالتزام بالتغيير، والتعاون الفعّال، والقدرة على الابتكار للعمل، وزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى ارتفاع المقاييس الخاصة بالعملاء، وزيادة نسبة الربحية والاحتفاظ بالموظفين.
من خلال هذه الأنواع من الفوائد الفردية والجماعية للمرونة فإنّ المنظمات تصبح أكثر مرونة أيضًا، فالمواقف المتعلقة بالتغيير الإيجابي والمستويات الأعلى من الجهد والأداء الفردي جنبًا إلى جنب مع التعاون المعزز الناتج عن تماسك الفريق والتعاون تعزز القدرة على العمل والابتكار، وتحسين وضع المؤسسات جيدًا لتزدهر في بيئات سريعة التغير.
ما الذي يمكن أن تفعله المنظمات لتهيئة بيئة مرنة؟
تتمثل الإستراتيجية العقلانية في تنمية المرونة داخل المنظمة باستخدام نهج شامل، فمثلاً يعدّ وجود هدف تنظيمي مشترك أمرًا ضروريًا لتهيئة بيئة تشجع على المرونة وتدعمها، حيث يوفر الغرض إحساسًا قيمًا بالتوجيه والمعنى خاصةً في أوقات الشدائد.
يعدّ توفير موارد العمل المناسبة أمرًا ضروريًا أيضًا، إذ إنّ الإجهاد هو نتيجةً لموارد غير كافية لتلبية متطلبات عمل الفرد، وهذا يدعو إلى توفير موارد إضافية في الأوقات الصعبة للحفاظ على المرونة، وقد يشمل ذلك الموارد غير الملموسة أيضاً مثل الاستقلالية والتمكين.
إنّ تعزيز ثقافة التعلم هي طريقة أخرى لدعم المرونة على المستوى التنظيمي، وقد يشمل ذلك تسهيل وتشجيع التدفق الحر للمعلومات، فضلاً عن فرص التدريب والتطوير غير الرسمية والرسمية.
كلمة أخيرة
ترتبط المرونة بفوائد كبيرة للفرد والفريق والمنظمة، حيث يخرج الموظفون المرنون من الأزمات من خلال قدرتهم على التأقلم والتعافي والتعلم من هذه التجارب، وهم يتكيفون - بل يزدهرون - في مواجهة الظروف والتحديات الجديدة، كما أنهم على استعداد للمساهمة بطرق مبتكرة ومبتكرة لدفع القيمة إلى أصحاب المصلحة.
من الواجب أن يعمل الأفراد على تنمية الإيجابية والثقة بالنفس، كما يجب أن يسعى القادة إلى جعل الموظفين يشعرون بالثقة والتواصل والتقدير والتمكين من خلال ممارسة الذكاء الاجتماعي لإنشاء علاقات ثقة وسلامة نفسية، أما المؤسسة نفسها فلا بدّ أن تسعى جاهدةً لتوفير الموارد الكافية ودعم ثقافة التعلم.
لمعرفة المزيد حول كيف يمكن أن يساعدك تدريب ارتياد بالتعاون مع Dale Carnegie في تطوير المرونة في بيئة أعمالك يسعدنا تواصلكم معنا.