إنّ من الشائع في هذه الأيام عند التحدث عن بيئة أي شركة أو طبيعتها استخدام مصطلح "ثقافة الشركة"، فهذا وصف جذاب ومنطقي، حيث تم الترحيب بثقافة الشركة القوية باعتبارها مفتاح الفوز في سوق تنافسية، وفي حين أنّ هذا الوصف أو الشرح لهذا المصطلح سهلاً نوعاً ما، إلا أنّ موضوع الثقافة أمر معقد ومتشابك، فعلى الرغم من أننا نعتقد جميعًا أننا نعرف ما نعنيه عندما نستخدم المصطلح، إلا أنه في كثير من الأحيان لا نعلم فعلياً حقيقة ذلك.
ولكن ما الذي يجعل ثقافة مكان العمل قوية؟
إنّ الأمر ليس بهذه البساطة التي قد توحي بها وفرة مدونات الأعمال، ففي الواقع باستثناء تلك الثقافات التي تعاني من عناصر معيقة مثل عدم الثقة أو عدم الأمانة أو السلبية المنتشرة أو الافتقار إلى الإستراتيجية فإن أي ثقافة معينة هي ليست ثقافة "صحيحة" أو "خاطئة" بطبيعتها، إذ يجب تقييم قوة الثقافة بالعلاقة مع البيئة التي تتنافس فيها: ففي كل شركة قد تكون هناك عناصر ثقافية مناسبة تمامًا لتحقيق النجاح في بيئة الأعمال الحالية والمستقبلية، وأخرى غير مناسبة، وعندما يشك القادة في وجود جزء من ثقافتهم غير قادرين خلاله على التكيف مع التحديات التي يواجهونها عندها يتوجب عليهم العمل على تحسين ذلك الجزء، وتحسين المهارات التي يمكن تطويرها لتحقيق ذلك.
إذا كانت الثقافة مهمة جدًا، فلماذا لا تقوم المزيد من الشركات بتنفيذها بالشكل الصحيح؟
إن إنشاء ثقافة إيجابية وموحدة في مواجهة بيئة الأعمال سريعة الحركة والحفاظ عليها أمر صعب لأسباب عديدة، فمثلاً تُظهر الأبحاث أن الموظفين من مواقع مختلفة من نفس المؤسسة غالبًا ما يكون لديهم تصورات مختلفة جدًا عن ثقافة الشركة، كما أنّ كونها متأصلة ومألوفة للغاية يجعل من الصعب على من هم داخل الثقافة رؤيتها بوضوح وتحديد ملامحها.
حتى عندما يكون القادة قادرين على تحقيق رؤية شاملة وموضوعية لثقافة شركاتهم وتحسين المهارات التي يمكن تطويرها فليس من السهل إحداث التغيير عند الحاجة، فثقافة الشركة عميقة؛ وحقيقة أنها جزء لا يتجزأ من كل ما تفكر فيه المؤسسة وتفعله تقريبًا هو ما يجعلها قوية جدًا - ويصعب تغييرها، بالإضافة إلى ذلك فإن النجاح في حد ذاته يولد مقاومة التغيير، إذ قد تصبح عناصر ثقافة الشركة التي ساعدت المؤسسة على الازدهار التزامات مع تطور بيئة الأعمال، وفي هذه الحالة يجب على الشركات المشاركة في عمليات الاندماج أو الاستحواذ التعامل مع تكامل ثقافات الشركات المتعددة، أما بالنسبة للمنظمات العاملة دوليًا تضيف الثقافات المجتمعية - عادات وأفكار وسلوك الشعوب والأمم المتنوعة - مزيدًا من التعقيد.
يؤدي ظهور طرق جديدة لإنجاز العمل من خلال التكنولوجيا أيضًا إلى تعقيد إدارة ثقافة الشركة، حيث تنبع الثقافة من التعلم المشترك وطبيعة التفاعلات البشرية، وقد تكون علاقات العمل العابرة (في حالة الفرق المخصصة والموظفين المتعاقدين) حاجزاً لإدارة ثقافة الشركة، وقد تفتقر بشكل متزايد إلى العلاقة الودية وجهاً لوجه التي يمكن أن تسرع إنشاء علاقات الثقة (في حالة الموظفين الذين يعملون عن بعد).
بالإضافة إلى ذلك فإن بعض النتائج المرجوة نفسها التي تجعل وجود ثقافة مؤسسية قوية أمرًا بالغ الأهمية مثل الإنتاجية والاحتفاظ بالموظفين ترتبط ارتباطًا مباشرًا ببعض المشكلات التي ذكرها المشاركون في أحد الاستطلاعات على أنها تحديات أمام الحفاظ على هذه الثقافة، وقد قال كبار القادة المشاركون إن الضغط لزيادة الإنتاجية كان التحدي الرئيسي لخلق والحفاظ على ثقافة الشركة الإيجابية، يليه اتجاه زيادة تنقل الموظفين وتطلب المزيد من الموظفين.
بعد أن اطلعنا على أهم التحديات التي تواجه الثقافة الناجحة للشركات، لا بدّ لنا من شرح المواقف التي يتخذها كبار القادة لإدارة هذه الثقافة.
ففي مواجهة هذه التحديات، تعتمد الإدارة الفعالة لثقافة الشركة بشكل كبير على مواقف كبار قادة المؤسسة، ولكن تختلف أفكار ومواقف كبار القادة عن نظرائهم عندما يتعلق الأمر بثقافة الشركة، ويبدأ النجاح مع القادة الذين يؤمنون بأهمية ثقافة الشركة، ويقتنعون بتأثيرها على أرباح مؤسساتهم، ويهتمون بتحسين المهارات التي يمكن تطويرها، وعندما تم سؤال المديرين التنفيذيين عن التزام شركاتهم بدعم ثقافة عالية الأداء قال عدد قليل منهم أن ثقافة الشركة ليست أولوية.
أما فيما يخص الإجراءات المنوطة بكبار القادة، فإنّ هذه الإجراءات تتبع المواقف التي يتخذونها، لذلك لم يكن مفاجئًا أن نجد كبار القادة الذين يعرفون مدى أهمية الثقافة يقومون بإجراءات لتحسين ثقافتهم، فالمعرفة ليست قوة حتى يتم تطبيقها، حيث يبحث أبطال الثقافة الفعالة عن طرق لتعزيز العناصر التي تساعد المنظمة على النجاح بشكل مستمر، وتغيير العناصر التي لم تعد منتجة مع تغير البيئة التنافسية، ويختلف الوضع من مؤسسة إلى أخرى، وهذا يعني أن الإجراءات اللازمة ستختلف أيضًا.
وفي الختام لا بدّ أن نقول أنه أصبح من الواضح بشكل متزايد أن تسليط الضوء على ثقافة الشركات ليس هو المطلوب فقط، إذ يجب تكثيف البحث والدراسات حول مفهوم الثقافة، وليس تسليط الضوء عليها فقط، ونظرًا لتأثيرها على كل شيء بدءًا من الاستراتيجية وحتى مشاركة الموظفين والأداء المالي فإنه لا يمكن ترك ثقافة الشركة دون رقابة من قبل كبار القادة الذين يأملون في النجاح، وبينما يجب على كل شركة أن تسير في طريقها الفريد نحو التميز الثقافي فإنّ هناك الكثير الذي يمكن اكتسابه من خلال تبني المواقف الصحيحة ودراسة الإجراءات الناجحة.